الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

في بيتنا مدمن بقلم ا.د أحمد الباسوسى

التصنيفات
top

 

في بيتنا مدمن
من هو ؟... وكيف نتعامل معه ؟







خلال هذه السلسلة نحاول الاجابة على تساؤلات تتعلق بهوية المدمن ، من يكون المدمن؟ 


وهل كل استخدام للمخدرات أو الكحوليات أو اي مادة من المواد التي تؤثر على العقل 


يعتبر ادمانا؟ وما هي المعايير التي يتستند عليها الاكلينيكون لتحديد الشخص المدمن؟. 


نحاول ايضا تحديد موقفنا من الجدل المثار حول هذا الأمر ومناقشته بهدوء. 


ابتداءا ليس كل من تعاطى المخدرات والكحوليات يعتبر مدمنا بالمفهوم الاصطلاحي لكلمة 


الادمان Addiction في الاوساط الطبية والعلاجية، هناك مستويات من استعمال أو التعامل 


مع هذه المواد تتدرج على النحو التالي :


الاستخدام Using حيث يقتصر تعاطي الشخص على المادة المخدرة أو المشروب الكحولي 


في المناسبات الخاصة أو الاجتماعية فقط ويظل ملتزما بذلك الأمر تماما. 


اساءة الاستخدام Abuse ونعني ان الشخص يزيد من تعاطي جرعات الدواء عن المعدل 


الذي وصفه الطبيب مثلا، أو ان يزيد عدد مرات تعاطي المخدرات أو الكحوليات التي حددها 


والزم نفسه بها في المناسبات الخاصة والاجتماعية. 


التعاطي Taking والمقصود هنا الاستخدام المتكرر غير المنتظم الى حد ما للمادة المخدرة أو 


المشروب الكحولي وهي مرحلة تتعدى مرحلة اساءة الاستخدام، وتتطور لدى الشخص 


مشاعر شخصية ايجابية تجاه المخدر تتعلق بالمزاج العالي، ونشوة المرح والتخفف من الاعراض 


الانقباضية، وسهولة التعبير عن المشاعر والأفكار التي كان من الصعب البوح بها في الظروف


 الاعتيادية. 


وفي مرحلة لاحقة يتحول التعاطي غير المنتظم الى تعاطي منتظم صريح، مع الاحتفاظ ببعض 


الضوابط الحاكمة لسلوك التعاطي والسيطرة عليه الى حد ما نتيجة لانخفاض حدة الأعراض 


الانسحابية الجسدية والنفسية كذلك في هذه المرحلة، خلال هذه المرحلة والتي تسبق 


مرحلة الادمان الصريح  تتعمق التغيرات الوظيفية الحادثة في الدماغ خاصة في المستقبلات 


العصبية الخاصة بنظام التدعيم والمكافأة، الأمر الذي يخرج الشخص عن حدود سيطرته 


على سلوك التعاطي تماما ويتحول الى مرحلة الادمان الصريح.




الادمان  Addictionحددت التصنيفات التشخيصية الدولية الخاصة بالطب النفسي 


الشروط التي يجب ان تتوفر في الشخص حتى يستحق لقب مدمن على النحو التالي




اولا: حدوث أعراض انسحابية جسدية  Withdrawal Symptoms بمجرد 


التوقف عن تعاطي المادة المخدرة أو المشروب الكحولي. 


ثانيا: حدوث تحمل جسدي tolerance للمادة المخدرة أو المشروب الكحولي، بمعنى 


التزايد في معدل استهلاك مادة التعاطي نتيجة لتزايد قدرة الجسد على تحمل واستيعاب 


المزيد من المواد المخدرة والكحوليات للحصول على نفس التأثير النفسي السابق الذي كان 


يحدث بجرعات أقل كثيرا.  


ثالثا: حدوث أعراض انسحابية نفسية تتمثل في الاشتياق الحاد Sever Craving 


للمادة المخدرة أو المشروب الكحولي بمجرد التوقف عن التعاطي، ويرتبط هذا الشعور 


بحدوث مشاعر جياشة من الانقباض والقلق والتوتر والاضطراب، الأمر الذي قد يترجم 


من خلال ممارسات المدمن لبعض السلوكيات الغريبة عليه، والخارجة عن السيطرة من 


أجل السعي الى تدبير وتهيئة جرعة التعاطي اللاحقة، واخماد هذه المشاعر السلبية القاسية.



رابعا: حدوث حالة من انشغال البال Preoccupation بالمادة المتعاطاه تتعلق بتعاطيها

 

وتدبير الموارد اللازمة للحصول عليها، وكيفية الحصول عليها وربما المخاطر التي سوف 


يواجهها .... الخ ، هذه الحالة قد تستهلك من وقته ما لايقل عن ستة ساعات في اليوم ، 


يظهر تأثير هذه الحالة بوضوح على الشخص المدمن خاصة حينما يكون في مناسبة 


اجتماعية، أو محاطا بآخرين من اسرته أو غير ذلك ، حيث يبدو شارد الذهن، غير مكترث 


بما يدور حوله من احاديث أو أخبار أو حتى مسئوليات اجتماعية أو مهام مطلوب منه 


تنفيذها. 




وجدير بالذكر ان المراحل التي يمر بها المدمن تعكس تاريخا تطوريا يعكس علاقة المدمن 


بالمادة التي يتعاطاها، وبالتالي يستوجب عدم الاستهانة خاصة بالمراحل الاولية مثل 


المغامرة بالاستخدام في المرة الأولى، وكذلك مرحلة اساءة الاستخدام. 


المدمن في بدايات الاستخدام سواء للمرة الأولى أو عندما يتعامل مع المادة بسوء الاستخدام 


(المرحلة التالية) يكون داخله يقين (غير مؤكد أو زائف) انه أعظم من المادة ، 


وان الأمر سوف يظل تحت السيطرة تماما، ما تزال وظيفة التعاطي بالنسبة له الآن 


مجرد تفاريح، وانتشاء مع نفسه أو مع الصحبه المرافقة، هكذا يكون يقين الشخص في 


بدايات علاقته بالمادة للمرة الأولى، لا يستطيع خياله احتمال فكرة العواقب الجسيمة 


التي يمكن ان يترتب عليها استخدامه للجرعة الأولى في هذا الوقت!، هذا على الرغم 


من "معرفته" بالعواقب والقصص التي حدثت لدى الكثيرين من زملائه واصدقائه واقاربه، 


وجسامة الورطات التي تعرضوا لها بعد انفلات الأمور وخروجها عن سيطرتهم. ان تأثير 


الزهو المفرط أو الثقة بالنفس الزائدة خاصة في ظل التدعيم، والمكافئات النفسية المتبادلة 


خلال السياقات الاجتماعية مع النظراء من اصدقاء وزملاء واقارب قد يفوق البناء 


المعرفي الذي ترسخ داخله، واحتشد بالمعلومات عن أضرار المخدرات والكحوليات 


وعواقب تعاطيها من تأثيرات صحية واجتماعية ومهنية واقتصادية بالاضافة الى المشكلات 


الأمنية التي يمكن ان يتورط فيها لأن القوانين في غالبية دول العالم تمنع وتجرم تعاطي المواد 


المخدرة وتداولها. لذلك يتداعي ذلك البناء المعرفي المحتشد بالمعلومات النظرية في مواجهة 


تلك التأثيرات النفسية والاجتماعية للمادة المخدرة، ويصبح العقل الواعي رهينة لبضع 


ذرات من بودرة الهيروين المخدر أو قطرات من الكحول أو بضعة حبوب من الترامادول 


والزانكس مثلا. 


* * * * * *


المدمن لايولد مدمنا ..... 


هكذا يمكن تقييم الأمور ببساطة، لكن البحوث العلمية توضح ان بعض الاشخاص يولدون 


بجينات وراثية مهيئة للتعاطي والادمان في حال توفر الظروف البيئية المناسبة لهذا الأمر، 


لسنا بصدد مناقشة هذا الأمر المثير للجدل في ذلك السياق، لكن الأمر المتفق عليه بين 


غالبية الباحثين في المجال ان هناك تاثيرات وراثية مؤكده لتعاطي الكحول تنعكس على


 ابناء الكحوليين وتجعلهم اما ان يصبحون مدمنين مثل آبائهم، أو على الأقل يمكن ان 


يصبحوا مدمنين اذا ما تهيأ لهم الظرف البيئي الداعم للتعاطي والادمان. 


هذا الأمر ينسحب على تأثيرات المواد المخدرة الأخرى سواء كانت مواد أفيونية أو 


منشطة. 


والشخص المدمن وفق التصنيفات الطبنفسية قديما وحديثا ربما يحمل أحيانا زملة من أحد


 أعراض اضطرابات الشخصية الموصوفة في كتب تشخيص وتصنيف الأمراض النفسية.




 وجدير بالذكر ان النسخة الأخيرة من الدليل التشخيصي الاحصائي الأمريكي 


الخامس DSM-V قدمت حلولا للتغلب على المشكلات التي ترتبت على تصنيف 


اضطرابات تعاطي المواد المخدرة Substance Abuse Disorder كما وردت 


في التصنيف السابق DSM-1V . حيث تعاملت مع اشكالية الاستقتطاب الثنائي 


لزملتي الأعراض الرئيسة (الاعتمادية Dependency – اساءة الاستخدام Abuse)


 والتداخلات المحيرة  فيما بينهما في الأعراض والاشخاص والظروف عموما، بين ما يسمى 


"اساءة استخدام"، والتعاطي أو الاعتمادية" . تمكنت النسخة الأخيرة من التصنيف من 


انهاء ذلك الاستقطاب والتداخل بين الزملتين الرئيسيين للادمان، وكذلك حسنت من 


المنحى الخاص باضطرابات التعاطي، أيضا تعاملت مع مؤشرات حدة التعاطي، والدورات 


المحددة للتعاطي، وزملة الاضطرابات النفسية المحدثة بسبب التعاطي، والعلامات الحيوية 


للتعاطي وما تتضمنه من زملات الأعراض الانسحابية الجديدة، ومحكات تشخيص 


النيكوتين ، والاضطرابات السلوكية / العصبية المرتبطة بالتعرض للكحول في مرحلة 


ما قبل الولادة، اضافة الى موضوعات تتضمن ادمانات سلوكية غير متعلقة بمواد ادمانية 


بعينها مثل القمار. 


* * * * * *


طرحت النسخة الأخير من الدليل الاحصائي التشخيصي التصنيفي الامريكي الخامس 


للامراض النفسية DSM-5 في فصل الاضطرابات المتعلقة بالتعاطي والادمان 


Substance related and Addictive disorders بديلا مقبولا  وهو 


فكرة  "الابعاد" Dimensions التي اعتمدت على تحديد عشرة مواد كحولية 


ومخدرة ، يمكن تقييم الشخص المتعاطي وحالة تعاطيه في سياقها، كما حددت أيضا 


نوع آخر من الادمانات لايعتمد على مادة مخدرة  بل سلوكي قهري مثل ادمان 


القمار Gambling addiction، تحت بند الاضطرابات غير المتعلقة بمواد نفسية. 


هذه الأنواع تتضمن ما يلي : 


الاضطرابات المتعلقة بالكحول Alcohol-related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالكفايين Caffeine-related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالحشيش Cannabis related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالمهلوسات Hallucinogen related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالمستنشقات Inhalant-related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالافيون   Opioid-related disorders


الاضطرابات المتعلقة بالمهدئات والمنومات ومضادات القلق


 Sedative-Hypnotic-or Anxiolytic related disorders 


الاضطرابات المتعلقة بالمنشطات Stimulant-related disorders


الاضطرابات المتعلقة بالتبغ Tobacco-related disorders


الاضطرابات المتعلقة بمادة أخرى أو غير معروفة


Other (or Unknown) Substance use disorders 


اضطرابات غير متعلقة بمواد (Non substance- related disorders) 


اضطراب المقامرة Gambling disorder  

 



وعودة الى المدمن وتوصيفه ووسمه بالادمان نشير الى ان الزملة المحورية للادمان على 


الهيروين والمواد الأفيونية الأخرى والكحوليات تتمثل في تزايد أعراض "تحمل المادة"، 


بمعنى الحاجة الى زيادة الجرعات المطلوبة لاحداث الأثر النفسي الذي كان يحدث في السابق 


بجرعات أقل في بدايات التعاطي، وتتمثل كذلك في المعاناة الشديدة من الآم ومشاكل 


الأعراض الانسحابية نتيجة التوقف التام عن التعاطي. 


أيضا تتمثل الزملة المحورية للادمان في فقدان الشخص سيطرته على سلوك التعاطي، 


والاشتياق واللهفة للتعاطي، بالتالي فان الشخص الذي يتوفر لديه هذه الخصائص يسمى 


مدمنا نموذجيا.  


وجدير بالذكر ان كتب تصنيف وتشخيص الأمراض النفسية الأمريكية وأشهرها الدليل 


التصنيفي التشخيصي الاحصائي الامريكي للامراض النفسية بنسخه المختلفة DSM 


طورت تعريف الادمان من خلال اصداراتها المتتابعة فكان "التحمل"  والاعراض 


الانسحابية فقط يميزون الشخص المدمن في الطبعات المبكرة من DSM مثل الطبعة الاولى 


والثانية والثالثة . وفي الطبعة الرابعة DSM1V حدث انعكاس للمزيد من المظاهر 


السلوكية والنفسية للطبيعة القهرية للاضطراب، بمعنى الاستمرار في التعاطي على الرغم من 


الآثار النفسية والاجتماعية والمهنية الضارة. ثم اضيف الاشتياق واللهفة 


للتعاطي Craving في النسخة الاخيرة DSM-5 . 




ومن المفارقات المدهشة ان هذه النسخة الأخيرة من التصنيف الطبنفسي للامراض 


لم تحصر مفهوم الادمان Addiction  في اطار الشكل المتعارف عليه تقليديا وهو 


الادمان على الكحوليات والمخدرات فحسب، بل اتسع فيه نطاق التحديد ليشمل 


"ادمان القمار" Pathological gambling  كما ذكرنا في السابق. 



* * * * * *


والخلاصة ان نظم التشخيص الدولية حددت المحكات التشخيصية للادمان والتي ان 


توفرت يتم وسم الشخص بمقتضاها انه مدمن، وهي: وجود أعراض انسحابية في حال 


الامتناع والتوقف عن التعاطي، وحدوث تحمل للعقار اثناء مسار التعاطي حيث يتزايد 


معدل الجرعات المستهلكة تدريجيا للحصول على التأثير النفسي/الجسدي السابق، ويتناقص 


التأثير النفسي مع استخدام نفس الجرعة المستهلكة من المخدر. وكذلك  الانشغال 


بالتعاطي لمدة تزيد عن ستة ساعات يوميا، بالاضافة الى الفقدان التام للسيطرة على 


سلوكيات التعاطي، وكذلك حدوث لهفة واشتياق شديد للتعاطي كلما حاول الشخص 


الامتناع أو التوقف عن التعاطي .





التعبيراتالتعبيرات