الخميس، 24 ديسمبر 2020

فى بيتنا مدمن (الحلقة السابعة ) بقلم الأستاذ الدكتور احمد الباسوسى

التصنيفات
top

 

فى بيتنا مدمن (الحلقة السابعة ) ... 

        بقلم الأستاذ الدكتور احمد الباسوسى


تحدثنا فى الحلقات السابقة عن عوامل وفخاخ الادمان .. واليوم نستكمل معاً هذه العوامل ومنها انتشار مادة التعاطى حيث يتعلق أمر انتشار مادة التعاطي بتاريخ التعرف على المادة، وبمدى اتاحة المادة المخدرة ورخص ثمنها بين الناس، ومن المعروف ان الحشيش يعتبر أرخص انواع المخدرات في العالم، وتشير الدلائل التاريخية الى وجوده في مصر قبل ثلاثة الآف عاما قبل الميلاد، وصنعوا من اليافه حبالا وأقمشة، واسماه الصينيون واهب السعادة، واطلق عليه الهندوس لقب مخفف الأحزان. 


وانتشرت بين قبائل الانديز اسطورة تقول ان امرأة نزلت من السماء لتخفف الآم الناس وتجلب لهم نوما لذيذا، وتحولت بفضل القوة الالاهية الى شجرة الكوكا.كذلك استخدم المصريون القدماء الأفيون في مجالات الطب مثل عمل وصفات دوائية لعلاج الاطفال، وأمراض العيون وعمل مراهم لعلاج الآم الجسم، كذلك كان يصنع منه مساحيق لنفس الغرض، كما كان يستخدم كدواء لتهدئة الاطفال من الصراخ. ويشار في مذكرات هيرودوت ان الحشيش كان موجودا مع البغاء عند غانية تسمى رادوبيس في مصر القديمة، وكان عندها الليالي الحمراء والزرقاء (المخدرات). 




ووجدت لوحة سومارية يرجع تاريخها الى  اربعة الآف عام قبل الميلاد تشير الى استعمال السومريين للافيون وكانو يطلقون عليه نبات السعادة، كذلك عرف الهنود والصينيون الحشيش قبل ثلاثة الآف عام قبل الميلاد، ووصفه هوميروس في الاوديسا. وعرف الكوكايين في امريكا اللاتينية منذ خمسمائة عام قبل الميلاد، وكان الهنود الحمر يمضغون اوراقه في طقوسهم الدينية، اما القات فقد عرفه الاحباش قديما ونقلوه الى اليمن عام (525) ميلادي.  


والمحور الثالث يتعلق بالمناخ أو الوسط المهيأ  والداعم لسلوكيات وأفكار التعاطي والادمان Supportive Atmosphere to addiction  الذي يتمثل فيما يلي:

المناعة النفسية  Psychological Immunity والغلاف الأسري Family atmosphere والأغلفة المحيطة


في هذا السياق نؤكد على أهمية المناعة النفسية والغلاف الاسري من حيث كونه داعم، أو منفر من مسألة التعاطي الادمان. ونعني بالمناعة النفسية مقدار رغبة الفرد في المغامرة بالتعاطي والادمان. اذا كان محصن بقوة انعدمت لديه الرغبة في المغامرة بالتعاطي والادمان، وان كانت المناعة لديه متوسطة سعى بتردد نوعا ما الى المغامرة بالتعاطي والادمان، واما اذا كان معدوم المناعة تيسر له الأمر بالمغامرة بالتعاطي والادمان. 


وقوة المناعة النفسية تنبني على أساس مدى تحرر الشخص من الاستعداد الموروث للتعاطي والادمان ويظهر أثر ذلك في ضعف أو قوة رغبة الفرد أو رعبه من المغامرة وتجريب كل ما هو خارج عن المألوف والشائع بين الناس جميعا فيما هو مرفوض اخلاقيا وعرفيا، ولذلك لاتاخذنا الدهشة اذا صادفنا اشخاصا نجحوا في حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية على الرغم من انحدارهم من أسر شديدة التفكك والتمزق بين افراد عناصرها، غلافها الأسري شديد الوهن والصعوبة والعكس صحيح، نلاحظ افرادا ينحدرون من أسر شديدة التماسك بين افراد عناصرها، ورسوخ بنيانها القيمي ووضوحه، ورغم ذلك يفشل بعض عناصرها في التكيف مع الواقع المحيط وانجاز الأهداف التي يتوقعها القائمون على الأسرة والتي تتسق مع طموحاتهم ورغباتهم. 


كذلك تنبني قوة المناعة النفسية على أساس النسق الخبراتي الذي تشكل، وتراكمت وحداته لدى الفرد منذ النشأة في سنواته الأولى المبكرة مع التطبيع الاجتماعي حول الصورة الذهنية للمخدرات والخمور، وكذلك الصورة النمطية السلبية للمتعاطين، تلك الصورة التي صمدت في مداعبة مخيلته منذ كان طفلا ثم يافعا ومراهقا. 


ان المناعة النفسية تتشكل مما هو جيني بيولوجي موروث يسري في دمائه وخلاياه العصبية، وما هو بيئي مكتسب يتشكل من طبقات الأغلفة المحيطة المختلفة وتتمثل في الغلاف المحيط المباشر وهو الأسرة. والغلاف المتوسط ويتمثل في الاقارب والجيران وزملاء واصدقاء المدرسة.ثم الغلاف السطحي ويتمثل في مجمل الرسائل والتنبيهات الاجتماعية التي يتلقاها الفرد من بيئته المحيطة مثل وسائل الاعلام، والمدرسة  والمسجد والكنيسة والنادي. وبالتالي يمكن ان نستنتج ان الأغلفة المحيطة بالفرد على تباينها وتنوعها لها تأثيرات متباينة على مجمل استجابات الفرد وخاصة ما يتعلق بمسألة تعاطي المواد المخدرة أو الكحولية وادمانها من عدمه.  


ان قوة أو ضعف المناعة النفسية لهؤلاء الأفراد في تعاملهم مع التأثيرات السلبية أو الايجابية لهذا الغلاف الأسري شديد الضعف أو القوة تؤثر على قرار دخولهم أو عدم دخولهم الى عالم التعاطي والادمان. 


ان الفشل في التعامل مع التأثيرات الايجابية للغلاف الاسري القوي أو التأثيرات السلبية للغلاف الأسري الضعيف يرتبط بمناعة الشخص النفسية التي يمكن  اما ان تدعم خصائصه النفسية الايجابية في ان يظل محافظا على وجهته الذهنية في تغيير واقعه، وخلق دوافع واهداف واضحة من أجل تغيير هذا الواقع البائس (من وجهة نظره) رغم العقبات والتحديات، أو أن يستسلم لرغباته الغريزية ويسبح في هذا الغلاف المضطرب أو المتماسك مستسهلا الانجذاب لرغباته الملحة الداخلية التي صادفها في الطبقة المباشرة (الغلاف الاسري في حالته الضعيفة) أو الاغلفة التالية (اصدقاء، أقران، اقارب، اعلام ...الخ) في حال تواجه ضمن غلاف اسري قوي، الأمر الذي يؤثر بالتأكيد على تركيزه، وتبديد طاقته، ومواهبه بسبب التعاطي والادمان. وصدق حدس اجدادنا القدماء حينما عبروا عن هذا الأمر بحكمة أو قول مأثور يقول " يخلق من ضهر الفاسد عالم، ويخلق من ضهر العالم فاسد".  



والمقصود  بالغلاف الاسري هو جماع تلك الرسائل الخاصة بالتنبيهات والاشارات والمؤثرات التي تصل الى الفرد من خلال العناصر، والظروف والاحداث المحيطة به مباشرة، وتؤدي الى التأثير في سلوكياته وأفكاره وقراراته. ويمكن التقرير بوجود ثلاثة نماذج من الغلاف الأسري وهي: 


غلاف اسري قوي  Strong Family atmosphere يتميز بما يلي:

 1)مستوى طفيف من الصراعات بين عناصره.

 2)تجانس العناصر داخله وانسجامها الى حد كبير.

3)انخفاض مستويات التوتر بين عناصره الى الحد الأدنى.

4)انخفاض مستوى الرسائل والتنبيهات والاشارات المزدوجة أو المتناقضة بين عناصره.

5)وضوح الأهداف واستراتيجيات تحقيقها.

6)المرونة في حل المشكلات واتخاذ القرارات.

7)الاحترام والتقدير المتبادل لادوار العناصر المختلفة الى حد كبير.

8)سيادة مشاعر الأمن والطمأنينة بين مختلف العناصر.


غلاف اسري متوسط القوة  Moderate Strong Family atmosphere يتميز بما يلي:

1)مستوى ملحوظ من الصراعات بين عناصره الداخلية.

2)نشوء بعض التوترات في العلاقات بين عناصره الداخلية.

3)غموض وارتباك نسبي في العلاقات بين بعض عناصره الداخلية.

4)نشوء بعض حالات من عدم الاستقرار النسبي.

5)ظهور مشاعر من عدم الطمأنينة والأمان في الكثير من الاحيان.

6)زيادة ملحوظة في الرسائل والتنبيهات والاشارات المتناقضة، والمزدوجة بين العناصر داخله.

7)الافتقاد الى المرونة احيانا في التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات.

8)عدم الوضوح النسبي لاهداف واستراتيجيات العناصر داخله.


غلاف اسري ضعيف   Weak Family atmosphere يتميز بما يلي:

1)التفكك الواضح بين عناصره الداخلية والتباعد بينها.

2)شيوع حالة من الاضطراب والتوتر بين بعض من عناصره الداخلية أو غالبيتها.

3)شيوع حالة من عدم الطمأنينة والأمان بين العناصر.

4)انخفاض شديد في التجانس والانسجام بين عناصره.

5)شيوع حالة متميزة من القلق على المستقبل لدى بعض عناصره أو غالبيتها

6)لايوجد هدف محدد أو واضح يجمع العناصر.

7)شيوع حالة متميزة من الذاتوية لدى بعض عناصره أو غالبيتها.

8)سيادة الرسائل المزدوجة والتنبيهات المتناقضة بين عناصره.



وفي الحقيقة لاتوجد دلائل جازمة تؤكد على حتمية تأثير الغلاف الأسري على الأفراد الذين يعيشون  داخله وارسالهم بالضرورة الى مناطق التعاطي والادمان، لكن يمكن ان نقرر ان هناك تأثيرات أشارت اليها الكثير من البحوث فيما يتعلق بالغلاف الاسري الضعيف في علاقته بتعاطي وادمان بعض الأفراد من عناصره، لكن لم يتم حسم النتائج بالنسبة للبحوث التي حاولت البحث عن شروط ومواصفات نموذجية تتعلق بالأسر الداعمة أو المنفرة من التعاطي والادمان. لان المسألة تعتمد في الاساس على قوة "المناعة النفسية" Psychological Immunity الموجودة داخل الفرد تجاه التعاطي والادمان.


التعبيراتالتعبيرات