الأحد، 2 مايو 2021

فى بيتنا مدمن (الحلقة الحادية عشر)..... بقلم ..ا.د أحمد الباسوسى

top

 

فى بيتنا مدمن (الحلقة الحادية عشر)

                                              بقلم ..ا.د أحمد الباسوسى




                             الانتكاسة، وكيف تكون الزلة نافعة

من دون شك تظل انتكاسة المدمن وعودته مرة أخرى الى التعاطي حادث دراماتيكي كبير. تأثيرها يتجاوز حدود المدمن الى ما هو أبعد من ذلك. ان المريض الذي يستسهل، أو لايبذل الجهد الكافي لكي يحافظ على امتناعه وتوقفه وينزلق الى التعاطي من جديد يواجه تحديات عظيمة تتضمن ما يلي:

اولا: مشاعر سلبية كبيرة تتعلق باليأس والعجز من امكانية الخروج من دائرة التعاطي.

ثانيا: مشاعر سلبية تتعلق باحباط الاقارب ويأسهم من امكانية شفاء المريض.

ثالثا: مشاعر تشكك مجتمعبة تطول مبدأ علاج الادمان من أصله، وتساؤلات عن جدواه.

رابعا: مشاعر سلبية تتعلق باحباط المعالج نفسه وفتور حماسه أثناء تعامله مع المرضى الآخرين.

ان خطورة التعامل الناعم أو غير الجاد من قبل المريض  في مسألة العلاج جسيمة وتخلف تأثيرات سلبية  كبيرة على المدمن والذين يدورون في فلكه. التعريفات القاموسية تشير الى ان كلمة "انتكاسة تعني الارتداد الى نفس الحالة بعد التحسن. أو انها ارتداد وعودة المرض. وكذلك تشير الى الارتداد لممارسة العادات السيئة .(Webster:1988) يذكر مارلت Marlaat,1985 انه قد نشب جدل كبير في احدى الندوات الخاصة بالمعتمدين على الكحول من أجل الوصول لمفهوم دقيق للانتكاسة، طلب من مرشدين التعافي وبقية الحاضرين المشاركة بتداعياتهم الذاتية في تحديد معنى الانتكاسة. أجاب بعضهم انها تعني عودة المرض، والبعض الآخر اجاب انها تعني فشل العلاج، كذلك قرر آخرون انها تعني الردة الى حالة الادمان (Marlatt: 41:1985). وفي سياق آخر لاحق ذكر كل من دالي ومالات ان ما يصعب الوصول لتعريف محدد للانتكاسة  يتمثل في عدم وجود شيئ محدد يمكن القياس عليه. حيث ان بعض الافراد يخبرون بالانتكاسة الكاملة. بينما هناك آخرون يتعاطون نفس المواد بنفس الكميات والجرعات ولا يعودون لنفس المستوى السابق من التعاطي ( Daly And Marlat:534:1992)  .



وهنا يبدو ان بعض الباحثين يعتبرون الانتكاسة بمكن تمثيلها على متصل Dimension أو تدريج على متصل من درجات يبدأ من الدرجة البسيطة حتى الدرجة الشديدة. هذا الأمر يبدو متعارض الى حد كبير، ولايتسق مع مفهوم التعافي المطلوب من المريض في نهاية المطاف، حيث لا يجب ان يكون هناك وجود للمرض من أصله. ولاحقا ذكر كل من مارليت وباريتي ان الانتكاسة تعني حدوث خلل أو هتك لقاعدة مفروضة على الذات أو مجموعة القواعد التي تحكم معدل أو نمط السلوك الذي تم اختياره  . وعرفها كل من أنيس ودايفز باعتبارها الفشل في الاحتفاظ بالسلوك  ا لذي يكون قد تغير   . التعريفين الأخيرين يتميزان بشمولية مفهوم الانتكاسة وعدم الاقتصار على المخدرات والكحوليات فقط، بل يمكن ربط معنى الانتكاسة بالكثير من مناحي سلوكياتنا في الحياة اليومية. لكن دعنا هنا نطرح فهما منطقيا قد يدعو الى التفاؤل في التعامل مع هذه القضية يتعلق   بالتمييز بين ما يسمى بالانتكاسة الكاملة Relapse والزلة Lapse .






 الانتكاسة الكاملة تعني عودة المرض الى خط  الأساس Base Line أي الى نفس حالة المريض قبل دخوله مصحة العلاج والانخراط في برنامجه العلاجي. واما الزلة فتعني حدوث نوبة أولية من التعاطي بعد فترة من التوقف. الأمر يشبه صورة ذلك الشاب الذي يترجل في الشارع متباهيا في حلته الانيقة وعطره الفواح من دون حذر، وفجأة تنزلق قدماه ويسقط في حفرة بكامل جسده على الارض المتربة. هذا الشاب اذا قام سريعا من عثرته وتخلص من آثار السقوط وتابع سيره الى حيث يريد فاننا نعتبر هذا الحدث مجرد زلة وانتهت. وأما اذا لم يستطع الشاب الوقوف على قدميه ومتابعة سيرة حيث يريد، وظل مسجيا على الأرض  هنا تكون الانتكاسة الكاملة. اذا الزلة مجرد هتك أو اخلال بالقواعد التي الزم بها الشخص نفسه، بالنسبة للمدمن المتوقف تكون الزلة بمثابة أول نوبة تعاطي بعد فترة من التوقف. 



ويمكن لهذه النوبة ان تنتهي بسرعة مثل حال الشاب الذي قام بسرعة من عثرته ونفض الغبار الذي علق به وواصل سيره، وفي هذه الحالة يستفيد منها الشخص لانها تضعه في موقف متقدم مقارنة بموقفه قبل حدوث الزلة فيما يخص تعافيه المنشود، حيث يتحقق له من خلالها تعلم خبرات ومهارات جديدة في مسار تعافيه، وفي هذا السياق يطلق عليها "الزلة النافعة"، حيث يخرج المدمن المتوقف منها وقد اكتسب خبرات من النمو النفسي الشخصي Psychological Growth وكذلك النضج النفسي، تسهم في تغير نظرته للواقع الجديد، وتزيد من قدرته على الثبات والاستمرار وتحقيق التوازن بين واقعه الداخلي الملح دوما للتعاطي، وواقعه الخارجي الجديد الملئ بالصعوبات . ويمكن ان يتصاعد السلوك الانتكاسي ويتجه نحو خط الاساس كما ذكرنا سابقا الي فترة ما قبل العلاج (الادمان)، وفي هذه الحالة تكون الزلة قد تحولت الى انتكاسة كاملة .


ان الاتجاهات الحديثة في علاج الادمان  خاصة فيما يتعلق بمناحي الوقاية من الانتكاسة تنظر الى الزلة نظرة اكثر تفاؤلا على اعتبار انها ( اي الزلة ) فرصة للفرد ليتحدى الخطأ أو السقوط . وأيضا تعتبر فرصة لحدوث  تعلم جديد. وفي العيادات الاكلينيكية ينظر الى الزلة اثناء مسيرة العلاج باعتبارها جزء من العملية العلاجية ينبغي الاستفادة منها والتعلم من كافة الظروف المسببة لها.


التعبيراتالتعبيرات