الأحد، 14 مارس 2021

فى بيتنا مدمن .. ( الحلقة التاسعة) .. بقلم ا.د احمد الباسوسى

التصنيفات
top

 

البديل المر وثقافة مجتمعية مغلوطة . .  وحقائق لابد من كشفها

                                                                                     بقلم ا.د أحمد الباسوسى



في صيف عام 1998 كنت ادافع عن بحثى للحصول على درجة الدكتوراة في سياق مناقشة ساخنة يقودها أحد اساتذة الطب النفسي الرواد ومعه استاذين كبيرين من علماء النفس، في قاعة المحاضرات الكبرى بمبنى كلية الآداب جامعة عين شمس في موضوع يتعلق بعلاج مرضى الادمان على الهيروين المخدر باستخدام بعض من الاساليب المعرفية/السلوكية، سألني الاستاذ المشهور والمعروف بارائه الخاصة في مسألة ادمان الهيروين وامكانية الحد من انتشار الهيروين في مصر عن طريق اباحة الحكومة لمخدر الحشيش. سألني عن وجهة نظرى فيما لو تم اباحة الحشيش في مصر وتأثير ذلك على خفض الطلب على مخدر الهيروين؟. وكان الاستاذ قد كتب كثيرا في هذا الأمر في الصحف القومية، كما اعلن عن ذلك في مقابلاته الاذاعية والتلفيزيونية. في الحقيقية لم اتردد ثانية واحدة في خضم المناقشة وسخونتها أن اعلن اعتراضي على هذا الأمر صراحة أمام اللجنة.



الادمان من وجهة نظري عبارة عن تفاصيل سلوكية وليس مجرد مادة بعينها اذا استبدلناها نكون قد تخلصنا من مشكلة الادمان. وان منهج استبدال مادة بمادة (البحث عن بديل أكثر لطفا) لن يغير من الأمر شيئا، ربما يتخفف المدمن قليلا من شدة المشاكل أو التدهور المصاحب لتعاطي الهيروين، لكن المؤكد عودته الى تعاطي الهيروين لاحقا لاننا لم نعالج جذور المشكلة الاساسية وهي السلوك الادماني لدى الشخص.


واذا كان انتشار مخدر الهيروين في مصر في العقود الأولى من القرن الماضي مرده كما يذكر المؤرخون الى تزايد القبضة الامنية والحد من تسلل المهربين داخل الحدود المصرين في هذا الوقت، الأمر الذي لفت نظر المهربون الى التسلل بالهيروين داخل الحدود حيث انه لم يكن معروفا في هذا الحين لرجال الأمن، كما يتميز بسهولة حمله وتهريبه، ويدر ارباح أكثر من الحشيش. ومن ثم اصبح الهيروين المخدر في هذا الوقت (الغير معروف سوى لدى الطبقة العليا من المجتمع) المادة المتاحة الوحيدة لدى الجميع. واصبح يتم تدواله وتتسع درجة انتشاره في المجتمع المصري.




اذا كان الأمر على هذه الصورة فمن المبالغ فيه ان نقرن اختفاء مخدر الحشيش (لفترة زمنية محدودة) بما له من شدة تدهورية بطيئة على صحة الشخص وحياته الاجتماعية والمهنية بسبب الحصار الأمني على المهربين، بنتيجة انتشار الهيروين المخدر وما له من شدة تدهورية سريعة على صحة الشخص وحياته الاجتماعية والمهنية والمادية. 


هذا الأمر الذي استند عليه الاستاذ المشهور وغالبية العوام ونتج عنه اختلاق صورة ذهنية نمطية عن تفضيل مخدر الحشيش باعتباره مخدر "لطيف" عند عوام الناس في مختلف الطبقات، على اعتبار ان تبعاته الصحية والاقتصادية ليست بالمزعجة، وليست بالسريعة وبالتالي فان استبداله بمخدر الهيروين "الثقيل" الأكثر ازعاجا بتبعاته الخطيرة يعد أمرا مقبول اجتماعيا!، ولذلك نجد بعض الممارسين في المجال لاينزعجون من تعاطي مريضهم الحشيش بديلا عن الهيروين اثناء مسارات المتابعة العلاجية.


وكذلك يطلب مني الكثير من ذوي المرضى بادمان الهيروين ان انصح ابنهم بتعاطي الحشيش بديلا، حيث لم ينجم عنه مشاكل حينما كان يتعاطاه في السابق، وان الأمور تدهورت جدا بمجرد تحوله الى تعاطي الهيروين.



الأمر هنا اصبح يعكس شبه ثقافة في مسألة التعاطي والعلاج  اسميتها " ثقافة استخدام البديل" بمعنى ان تعالج مدمنا اعتاد على تعاطي مادة ثقيلة (الهيروين)  heavy substance عن طريق السماح له بتعاطي مادة خفيفة (الحشيش) Light substance وهذا ما اشار اليه الاستاذ المشهور بالضبط  كما ذكرنا آنفا. لكن ما توافر من معلومات علمية وبحثية وكذلك المعلومات التي حصلنا عليها نتيجة الخبرات الاكلينيكية المتراكمة في مجال العلاج والمتابعة والرصد الدقيق للانتكاسات واحداثها، واليات عمل المواد ذات الفعالية الادمانية في الجهاز العصبي، كل ذلك يكشف لنا بجلاء عن عدم جدوى تعاطي مخدر خفيف بديلا عن، أو لمعالجة المخدر الثقيل الاشد ازعاجا، لأن المدمن سوف يعود في نهاية المطاف الى المخدر "الأعلى". وان المعتقد السائد بشأن امكانية معالجة الهيروين عن طريق الحشيش غير صحيح.


وهناك اسس عصبية/نفسية تشير الى زيف هذا المعتقد الذي بلغ حد اعتباره ثقافة مجتمعية مغلوطة في مسألة تعاطي المخدرات.




التعبيراتالتعبيرات