فى بيتنا مدمن (الحلقة الخامسة عشر) .. بقلم ا.د أحمد الباسوسى
بافلوف ونظرية الارتباط الشرطي الكلاسيكي
ان طبيب الباطنة الروسي العظيم ايفان بتروفيتش بافلوف بينما كان يجري تجاربه على الجهاز الهضمي في معمله على "كلبه" لم يكن يتصور انه يفتح بابا مهما في التعرف على بعض اسرار الخبايا النفسية يدخل به تاريخ علم النفس مثل فرويد ويونج وسكينر وغيرهم. ملاحظاته الدقيقة اوصلته الى الكشف عن مبادئ هامة في علم نفس التعلم أوصلتها الى درجة النظرية الكاملة هي نظرية التشريط الكلاسيكي Classical Conditioning Theory تتمثل في المبادئ الرئيسية التالية. الارتباط غير الشرطي أو الطبيعي Unconditioned ويتعلق باستجابة افراز اللعاب لدى الكلب لمثير (الطعام). يسمى المثير الطبيعي أو غير الشرطي Unconditioned Stimuli .
وان الارتباط الشرطي Conditioned ويتعلق باستجابة افراز اللعاب لدى الكلب لمثير آخر مثل (الصوت أو الضوء...) ويسمى المثير شرطي Conditioned Stimuli ذلك المثير الذي تزامن وجوده أثناء حدوث الاستجابة الطبيعية للمثير (الطعام). بالاضافة الى مبادئ أخرى مثل تمييز الاستجابة Discrimination Response وانطفاء الاستجابة Inhibition Response الذي يشاع استخدامه في العلاج النفسي السلوكي للتعامل مع السلوكيات المزعجة التي يريد الفرد ان يتخلص منها .. الخ.
تم استثمار هذه المبادئ الأوليه في نظرية التشريط الكلاسيكي لبافلوف في انجاز تطبيقات هامة في تفسير وعلاج مظاهر وأعراض الادمان سميت بنظريات التشريط Conditioning theories انبنت على اساس الارتباط بين آثار المخدر والموقف المثير حيث يحدث تعاطي المخدر، ومعنى ذلك ان كل مايرتبط بجوانب الاستمتاع ( في خبرة التعاطي ) من اشياء واشخاص ومشاهد ... الخ يصبح هو نفسه من بين العوامل التي تساعد على استمرار المتعاطي في ممارساته
يعد وكلر أول من طبق نظرية التشريط الكلاسيكي لبافلوف لتفسير اكتساب سلوك تعاطي العقاقير والمخدرات واستمراره أو انطفاؤه . وافترض ان عوامل التشريط تلعب دورا مهما في ادمان العقاقير والمخدرات . وقد أشارت الابحاث التجريبية على الحيوانات ان معدل الاستجابات القائمة على التشريط يتزايد معدلها حينما تتبع هذه الاستجابات بالحقن بمشتقات الأفيون أو منبهات الجهاز العصبي مثل الامفيتامينات أو الكوكايين أو بالمسكنات مثل الباربيتيورات (المنومات). أيضا اعتقد ويكلر ان الانماط السلوكية والاشياء المتعلقة بتعاطي العقاقير والمخدرات تصبح مدعمات ثانوية secondary reinforces نتيجة للاقتران المتكرر مع التدعيم الاولي primary reinforcement المتعلق بتعاطي العقاقير والمخدرات . وعلى هذا النحو أيضا فان المنبهات المرتبطة بشكل منتظم باعراض الانسحاب تكتسب خواص شرطية مؤلمة.
لقيت هذه النتائج دعما من بعض البحوث التجريبية ، خاصة الابحاث التجريبية في مجال علم النفس الدوائي psychopharmacology ومن أهمها البحث الذي قدمه كومر وستولرمان المتعلق بالمظاهر التجريبية والاكلينيكية للمعتمدين على العقاقير والمخدرات . كذلك اتفقت مع الملاحظات الاكلينيكية المتعلقة باستجابات المدمنين حينما يصفون حالة " الاشتياق أو الهفة " الى العقاقير والمخدرات حينما يزورون أماكن ارتبطت لديهم ببيع أو تعاطي العقاقير والمخدرات . أيضا أمكن تفسير بعض المفاهيم المتعلقة بالتعاطي مثل مفهوم تحمل العقار drug tolerance ، بمعنى حدوث تغير عضوي فيزيولوجي يتجه نحو الزيادة في المادة محدثة للادمان بهدف الحصول على نفس الأثر الذي امكن تحصيله من قبل بجرعة أقل .
كذلك تفسر حالات الاعتماد على العقار drug dependence ويذهب وكلر الى ان المعدلات العالية للانتكاسة في العلاج عند المدمنين قد تعزى الي الانطفاء غير المكتمل لكل من التدعيمات الثانوية الموجبة والسالبة.
ومن التفسيرات الشيقة التي تحمل وجهة نظر معاكسة لظاهرة " التحمل " والتي انبنت على اساس من بعض البحوث التجريبية ما تقرر بواسطة سيجل في سياق نظرية " العملية – المقاومة opponent-process ان الاستجابات الشرطية للعقاقير المخدرة والكحوليات تكون مقاومة للتأثيرات غير الشرطية للمواد المخدرة والكحوليات ومثيرات التعاطي عموما. ولذا فانه عندما تقدم مثيرات التعاطي من دون العقار تنشط الاستجابات الشرطية التعويضية . ومع التزايد التدريجي في قوة الاستجابات الشرطية التعويضية، يتناقص التأثير غير الشرطي للعقار أي تنشأ حالة من " التحمل للعقار" .
ومن ثم يتوقف حدوث " التحمل " على الخبرات السابقة في بيئة التعاطي، وكذلك على العقار ذاته. ويفترض ايكيلبوم وستيوارت ان العقار أو المخدر ينبغي اعتباره مثيرا غير شرطي حينما يؤثر بفعالية في نظام الجهاز العصبي المركزي . وان تأثيرات العقار التي هي عبارة عن ردود فعل فسيولوجية وسيطة من خلال الجهاز العصبي المركزي هي التي ينبغي تحديدها على انها الاستجابات غير الشرطية ..
وفحص شيرمان وزملاؤه مدى مطابقة مبادئ بافلوف بالنسبة لاكتساب أو التنفير من المثيرات المرتبطة بالكحول . وكذلك ما يتعلق بتحمل الكحول وتطور الدفع او الاشتياق للكحول، وقرروا ان مبادئ بافلوف في التشريط الكلاسيكي تساهم في فهم الظاهرة، وان المنظور البافلوفي المتضمن في سلوكيات الاعتماد على المخدرات يمكن تعديله بالانطفاء التجريبي





التعبيراتالتعبيرات