الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022

العقلية السلفية وشهداء اكتوبر العظام بقلم د. أحمد الباسوسي

التصنيفات
top

 العقلية السلفية وشهداء اكتوبر العظام بقلم د. أحمد الباسوسي





الرحمة والمجد لشهداء حرب اكتوبر العظيمة عام 1973 المصريين وغير المصريين، المسلمون وغير المسلمين، سطروا باجسادهم وارواحهم ملحمة بطولية خارقة للتصورات في زمانها في ردع كيان زرعته الصهيونية والقوى الدولية من أجل الهيمنة على مقدرات المصريين والبلاد العربية المؤثرة اقتصاديا وعسكريا بعد ابتلاع فلسطين كلها بما فيها القدس والضفة الشرقية لنهر الاردن وشبه جزيرة سيناء بأكملها حتى ضفة قناة السويس الشرقية  وهضبة الجولان بأكملها، بالاضافة للجنوب اللبناني. 

ان اولئك الجنود المصريون  الذين خرجوا في ذلك النهار من يوم السبت السادس من اكتوبر في الساعة الثانية بعد الظهر وغالبيتهم من الصائمين احتراما وتقديرا  لشهر رمضان المقدس لدى المسلمين لم يكن في ذهن أحدهم انه سوف يعود الى منزله ليرقد على سريره وسط اخوانه أو عائلته وابنائه مرة أخرى بعد ان تكون الحرب قد وضعت اوزارها. 

كان كل ما يشغل ذهن هؤلاء المحاربين تحت نير شمس الصحراء وعطش الصيام والجوع ان يذهبوا للضفة الأخرى من القناة ويستردوا  الارض والكرامة والوطن الجريح. وكان حليفهم في ذلك النهار والايام المجيدة التالية عبارة واحدة اخرجتها حناجرهم بمنتهى القوة ومنتهى الوعي ومنتهى الاصرار " الله وأكبر"، تلك العبارة التي اصبحت ماركة مسجلة لدى افراد الجيش الصهيوني العالمي، ترتجف قلوبهم من الرعب حينما تتناهى الى مسامعهم متزامنة مع أي هجوم أو اقتحام. 


واذا كانت وزارة الأوقاف المصرية بعد هذه الحرب بتسعة واربعون عاما تصدر أوامرها لخطباء مساجدها في نحو (140) الف مسجد وزاوية منها نحو (100) الف مسجد جامع كبير ان يحدثوا الناس في موضوع الشهيد ومنزلته عند الله وعند البشر. لكن الشيخ الأزهري الشاب كأنه منفصل عن واقعه والأحداث التي يمور بها مجتمعه، ولا يدرك لماذا اختار الشيخ مختار جمعه وزير الاوقاف هذا الموضوع بالذات في مناسبة الاحتفالات بذكرى حرب اكتوبر المجيدة، أو كأنه متعمد ذلك لأنه لم يدرس في علومه ولا من شيوخه في ردهات جامعة الأزهر سوى ذلك. أو كأنه لا يساوره شعور بالفخر باعتباره مصري حيال هذه الحرب العظيمة. انبرى الشيخ الشاب على مدار أكثر من ساعة يتحدث عن الخليفة عثمان ابن عفان وسيرته منذ ميلاده وحتى اسلامه وصحبته للرسول، وافضاله على الاسلام، حتى مقتله في منزله على يد مجموعة من المتطرفين والمعترضين على سياساته وادارته لشئون الخلافة من مصر والكوفة والعراق. 

هذا هو الشهيد الذي يعرفه الشيخ السلفي الشاب والذي تسبب مقتله في حروب أهليه طاحنة بين المسلمين لايزال صداها حتى اليوم. الشيخ لايدرك ان الخطاب الذي اتى اليه أمر أو موضوع حديثه للناس المقصود به الشهداء المصريين في حرب 6 اكتوبر عام 1973 والحروب التالية آخرها الحرب على اولئك التكفيريين الارهابيين (على شاكلة قتلة عثمان رضي الله عنه) حيث استشهد نتيجتها الآلاف من جنود الجيش والشرطة حفاظا على أمن بلادنا واستقرارها. 

لكن أية عقلية سلفية يمكن ان تدرك هذه الأمور، تبدو عقليات منفصلة تماما عن واقعها المحيط وعن أيامها وزمانها. لاتدرك سوى ما تناقلته من كتب التراث وحفظته ظهرا عن قلب دونما حتى مناقشته بالوعي الجديد الذي يلائم عصرنا. 

ان العقل البشري تطور بيولوجيا في ظل زخم المعلومات والاحداث والتقنيات والتغيرات الدراماتيكية التي شهدها  العلم  والعالم، والشخص الذكي الناضج هو من يستجيب عقله لهذه التغيرات ويستطيع التعامل معها وفق رؤية واسلوب حياة يحقق له التوازن والتكيف المطلوبين، ومسايرة واقعه بفعالية ونجاح. 

لكن تظل العقلية السلفية جامدة مستعصية على التغيير والفهم، ويظل عدم ادراكها قائم حتى تأتي عاصفة التغيير وتقتلعهم رغما عن ارادتهم، وتلك العاصفة اقتربت بشدة. ان الجمود العقلي هو بمثابة موت اكلينيكي، واشفق عليهم دائما من هذا الموت الاكلينيكي. 

                                                                                               د. احمد الباسوسي

                                                                 كاتب واستشاري الصحة النفسية 


التعبيراتالتعبيرات